شرح قصيدة قلبي يحدثني بأنك متلفي

  • November 22, 2023
  • تمت الكتابة بواسطة: محتوى
شرح قصيدة قلبي يحدثني بأنك متلفي

المقدمة

تُعدّ قصيدة "قلبي يحدثني بأنك متلفي" من أشهر قصائد الشعر الصوفي العربي، والتي نظمها الإمام العارف بالله الشيخ أحمد بن علي بن محمد بن عبّاس الصوفي المصري، المعروف بـ "ابن الفارض" (586-635 هـ). تُعدّ هذه القصيدة من روائع الفصيح، حيث تميّزت بعمق المعنى وقوة العاطفة وجمال الأسلوب، ممّا جعلها تُخلّد عبر العصور وتُترجم إلى العديد من اللغات.

معلومات عن قصيدة:

الشاعر:

  • ابن الفارض: (577-635 هـ) واسمه علي بن محمد بن علي بن أحمد بن عمر بن الحسين الرفاعي المصري، شاعر صوفي مصري، اشتهر بقصائده الصوفية التي تُعبّر عن عمق مشاعره الدينية والوجد الإلهي.
  • لقبه: عُرف ابن الفارض بلقب "سلطان العشاق" و"شيخ العشاق" و"شيخ الغاوين" و"الإمام" و"الشيخ الأكبر".
  • مؤلفاته: له ديوان شعر واحد يُعدّ من أهمّ دواوين الشعر الصوفي، وله أيضًا رسائل ومؤلفات أخرى في التصوف.

القصيدة:

  • العنوان: قلبي يحدثني بأنك متلفي
  • البحر: الطويل
  • عدد الأبيات: ثمانية أبيات
  • الموضوع: تُعبّر القصيدة عن مشاعر الحبّ الإلهيّ عند الشاعر، ومرحلتهِ من اليقينِ بالموتِ عشقًا إلى التضحيةِ بالنفسِ والشوقِ والحنينِ وأخيرًا التوسّلِ والدعاءِ.
  • الأسلوب: تتميّز القصيدة بأسلوبها المُكثّفِ والصورِ المُبْهِرَةِ والموسيقى الداخلية القوية.
  • المكانة: تُعدّ قصيدة "قلبي يحدثني بأنك متلفي" من أشهر قصائد ابن الفارض، ومن روائع الشعر الصوفيّ التي تُعبّر عن عمق المشاعر الدينية والوجد الإلهي.

التأثير:

  • أثرت قصيدة "قلبي يحدثني بأنك متلفي" على العديد من الشعراء والكتاب الصوفيين، وترجمت إلى لغاتٍ عديدة.
  • تعتبر هذه القصيدة من أهمّ النصوص الصوفية التي تُدرّسُ في الجامعاتِ والمعاهدِ الإسلامية.

ملاحظات:

  • القصيدة غنيّة بالرمزية والمعاني الصوفية العميقة، ممّا قد يُصعّب فهمها على القارئ العادي.
  • هناك العديد من الشروح والتفسيرات التي كتبها المُفكّرون والعلماء الصوفيون لهذه القصيدة.

التحليل

تنقسم القصيدة إلى أربعة أقسام، كلّ قسم يُعبّر عن مرحلة من مراحل الحب الإلهي، وسنتناول تحليلًا مُفصّلًا لكلّ قسم:

شرح القصيدة:

القسم الأول:

  • البيت الأول: قلبي يحدثني بأنك متلفي روحي فداك عرفت أم لم تعرف
    • تحليل: يُظهر هذا البيت عمق إيمان الشاعر وحبّه الإلهي، فهو مستعدّ للتضحية بأغلى ما يملك، وهو روحه، في سبيل الوصول إلى حبيبه.
    • شرح: يُشير لفظ "متلفي" إلى أنّ حبيبه هو من يُحييه ويُميته، وأنّه لا حياة له إلاّ بحبه ورضاه.
  • البيت الثاني: ما لي سوى روحي وباذل نفسه في حب من يهواه ليس بمسرف
    • تحليل: يُؤكّد هذا البيت على أنّ الشاعر لا يملك شيئًا آخر يقدّمه لحبيبه، وأنّ من يبذل نفسه في حبّ من يهواه لا يُعدّ مُسرفًا.
    • شرح: يُشير لفظ "مسرف" إلى أنّ بعض الناس قد يرى أنّ تضحية الشاعر بروحه هي إهدار، لكنّه يُؤكّد أنّ الحبّ الحقيقي يستحقّ التضحية.

القسم الثاني:

  • البيت الثالث: فالوجد باقٍ والوصال مماطلي والصبر فانٍ واللقاء مسوف
    • تحليل: يُعبّر هذا البيت عن شعور الشاعر باليأس من طول انتظار الوصال مع حبيبه، وأنّه قد فقد الأمل في لقائه.
    • شرح: يُشير لفظ "مماطلي" إلى أنّ حبيبه يُماطلهُ في الوصال، ويُؤجّلهُ دون جدوى.
  • البيت الرابع: فلئن رضيت بها فقد أسعفتني يا خيبة المسعى إذا لم تسعف
    • تحليل: يُخاطب الشاعر في هذا البيت نفسهُ، ويُخاطبُ حبيبه. يُخبرُ نفسَهُ بأنّهُ إذا رضيَ بالموتِ عشقًا، فقد أسعفَهُ حبيبهُ بذلكَ. ويُخاطبُ حبيبهَ بأنّهُ إذا لم يُسْعِفْهُ بالموتِ، فقد خابَ مسعاهُ، أيْ ضاعَ جهدهُ عبثًا.
    • شرح: يُشير لفظ "خيبة المسعى" إلى أنّ الشاعر يُهدّد حبيبه بأنّهُ سيخيبُ مسعاهُ إذا لم يُسْعِفْهُ بالموتِ عشقًا.

القسم الثالث:

  • البيت الخامس: أين أنت يا من سرت في فؤادي ونسيت أن قلبي ليس له باب
    • تحليل: يُعبّر هذا البيت عن شدّة تعلّقِ الشاعرِ بحبيبهِ، وعن شعورهِ بأنّهُ لا يستطيعُ العيشَ بدونهِ.
    • شرح: يُشير لفظ "نسيت" إلى مبالغة حب الشاعر. فهو يتخيّل أنّ حبيبه قد دخل قلبه ولم ينتبه إلى أنّ القلب ليس له باب يُدخل منه، وهذا يدل على سيطرة المحبوب على كل كيانه.
  • البيت السادس: أين أنت يا من جئتني بصور من الوجد فصورها في عيني ضب
    • تحليل: يُعبّر هذا البيت عن شعور الشاعر بالضبابِ والغموضِ الذي يحيطُ بهِ بسببِ شدّةِ حبهِ وشوقهِ إلى حبيبهِ.
    • شرح: يُشير لفظ "ضب" إلى أنّ شدّة الحبّ قد أحدثت نوعًا من الحيرة والاضطراب في نفس الشاعر، فهو يرى صورًا من الوجد تأتي من حبيبه، ولكن هذه الصور ضبابية، فهو لا يستطيع فهمها أو إدراكها بشكل كامل.

القسم الرابع:

  • البيت السابع: يا من سكنت القلب لم تحفل به فأحرقت فيه جوىً لا يُطْفَى
    • تحليل: يُعبّر هذا البيت عن شعور الشاعر بالألمِ والمعاناةِ بسببِ شدّةِ حبه.
    • شرح: يُخاطب الشاعر حبيبه، ويستخدم جملة "لم تحفل به" للتعبير عن تظاهره بالشكوى، فهو لا يطلب منه أن يخرج من قلبه، بل يريد المزيد من قربه ومحبته، رغم الألم الذي يسببه له ذلك.
  • البيت الثامن: أسألك اللهم الذي أبدع الكون أن تجمع شملنا على خيرٍ ووُصْلٍ
    • تحليل: يُلجأُ الشاعر في هذا البيتِ إلى الدعاءِ للهِ تعالى، ويُناشِدهُ أن يُجمّعَ شملهُ مع حبيبهِ في دارِ الجنانِ. ويُؤكّدُ الشاعرُ على رغبتهِ في الوصالِ مع حبيبهِ، وأنّهُ لا يُريدُ غيرَ ذلكَ.
    • شرح: يخاطب الشاعر الله تعالى في هذا البيت، ويطلب منه أن يجمعه بحبيبه في الدار الآخرة، وهذا يدل على أن الحب الإلهي الذي يقصده الشاعر هو حب دائم لا ينقطع.

التأويلات الصوفية:

تُعدّ هذه القصيدة من أهمّ القصائد التي تُعبّر عن مفهوم العشق الإلهي في التصوف الإسلامي. يرى الصوفية أنّ العشق الإلهي هو أعلى درجات الحبّ، وأنّه يُوصل العاشق إلى الله تعالى ويُحقّق له الفناء في الله.

الخاتمة

تُعدّ قصيدة "قلبي يحدثني بأنك متلفي" من أجملِ القصائدِ في الأدبِ العربيّ، فهي تُعبّرُ عن مشاعرِ الحبّ الإلهيّ بصدقٍ وعمقٍ.

وتُمثّلُ هذه القصيدةُ نموذجًا رائعًا للشعرِ الصوفيّ، الذي يُركّزُ على الحبّ الإلهيّ والارتباطِ الروحيّ بين الإنسانِ واللهِ تعالى.


وفي الختام، لا تفوت فرصة قراءة الحكمة العشوائية:

“ليس القوي من يكسب الحرب دائما وإنما الضعيف من يخسر السلام دائما.”

مصطفى كمال أتاتورك
Icon
ملاحظاتك مهمة بالنسبة لنا. لا تتردد في ارسالها

جميع الحقوق محفوظة © محتوى 2025